ثقافة

اقتصاد

دوليات

محليات

المقارنة بين الدكتور طه حسين والسيد لو شون

ربما لا يعرف أحد منكم السيد لو شون كبير الأدباء الصينيين والمفكّر الصيني العظيم. وفي الحقيقة يشبه السيد لو شون الراحل إلى حد كبير الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي سواء في الأفكار أو الصفات الأدبية أو المكانة الأدبية حتى في الحياة. نقدم لكم تقريرا بقلم أستاذ صيني متخصص في دراسة الأدب المقارن بين الأدب الصيني والعربي تحت عنوان: مقارنة بين السيد لو شون والدكتور طه حسين.

ولد لو شون وهو أديب كبير ومفكر عظيم في الخامس والعشرين من سبتمبر عام 1881 في بلدة شاوشينغ جنوب شرقي الصين بينما ولد طه حسين وهو أيضا أديب كبير ومفكر عظيم في الرابع عشر من نوفمبر عام 1889 بمدينة صغيرة بصعيد مصر، أي عاش الأديبان في عصر واحد. وكان المجتمع الصيني في ذلك العصر مضطربا ومظلما وقاسيا كما وصفه لو شون، حيث كانت الصين تحت حكم أسرة تشينغ الإقطاعية الفاسدة وحكم العصابات العسكرية المتناحرة في الوقت الذي تعرضت فيه للعدوان الاستعماري من قبل اليابان والدول الغربية بصورة مستمرة، فهب الشعب الصيني في ثورات متواصلة ضد الحكم الفاسد الداخلي والعدوان الاستعماري الخارجي. أما مصر في ذلك العصر فهي كانت تحت الحكم العثماني والبريطاني وعاش الشعب المصري في مجتمع مظلم تكبله القيود كما وصفه طه حسين فظل يثور مرة تلو الأخرى لتحقيق استقلال الوطن.

ونظرا لأن وطنيهما كانا مستعمرين، عقد لو شون وطه حسين الشابان عزمهما لإنقاذهما. ومن المصادفة أن كلا الشابين توجه إلى الدول المتقدمة آنذاك للدراسة فسافر لو شون إلى اليابان بينما ذهب طه حسين إلى فرنسا،حيث قرءا كثيرا من أعمال أرسطو وديكارت وداروين وغيرهم من المفكرين الغربيين وتوصلا إلى نتيجة واحدة، ألا وهي لن يتحقق إنقاذ الوطن إلا عن طريق إنقاذ المواطنين ولن ينهض الوطن إلا عن طريق التعليم. فبعد إتمام دراساتهما عاد لو شون من اليابان إلى الصين عام 1909 بينما عاد طه حسين من فرنسا إلى مصر عام 1919ليتفرغا لقضية التربية والتعليم، إضافة إلى الإبداع الأدبي الذي أرادا به إيقاظ المواطنين.

بعد عودته من اليابان اشتغل لو شون في مدرستين ببلدته، ثم في جامعة بكين والمعهد العالي لإعداد المدرسين ببكين وجامعة شيامن. وإلى جانب أعمال التدريس ركّز لو شون جهوده في الإبداع الأدبي والمشاركة في نشاطات المنظمات اليسارية الوطنية، حيث ألف عددا كبيرا من الروايات والمقالات والنثر مثل "الهتاف" و"يوميات المجنون"و"التردد"، أراد بها إيقاظ المواطنين وتشجيعهم على النضال من أجل الحرية والديمقراطية والاستقلال. وأثارت أعمال لو شون الأدبية الرائعة صدى كبيرا لدى المواطنين ولعبت دورا هاما جدا في دعم نضال الشعب الصيني العادل فلقّب بلقب كبير قادة الثورة الثقافية الصينية. وترجمت هذه الأعمال إلى أكثر من خمسين لغة أجنبية.

وشأن طه حسين شأن لو شون تقريبا، فبعد عودته من فرنسا عام 1919 اشتغل في جامعة القاهرة كأستاذ التاريخ وأستاذ الأدب وعميد كلية الآداب ثم كرئيس لجامعة الإسكندرية، حتى رقي إلى منصب وزير التربية والتعليم المصري في عام 1950. وفي هذا الوقت انهمك الدكتور طه حسين في الإبداع الأدبي تشجيعا لمواطنين على الكفاح من أجل حرية الوطن واستقلاله، حيث أبدع "الأيام" و"الحب المفقود" وغيرهما من الروايات والنثر والمقالات التي ألّف منها أكثر من مائة مؤلّف فلقّب طه حسين ب"عميد الأدب العربي". وترجمت "الأيام" وغيرها من أعماله المشهورة إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية والأسبانية والصينية، وأعدت بناء على قصص حياته سيناريوهات أعمال سينمائية وتلفزيونية وإذاعية نشرت في العالم.

ولكل من السيد لو شون والدكتور طه حسين أسرة سعيدة معجب بها. فكانت قرينة لو شون السيدة شيو قوانغ بينغ طالبة له، استحسنت أخلاقه الحميدة واندهشت بمعارفه الواسعة فتزوجته وهي أصغر منه بكثير رغم الاعتراضات من والديها والمجتمع. أما قرينة الدكتور طه حسين السيدة سوزان فكانت زميلة له في جامعة فرنسية ارتضت بمعارفه الشاملة وأخلاقه الحميدة رضاء إلى حد أن تزوجت طه حسين هذا الشاب الأعم من دولة شرقية وحصلت على الجنسية المصرية. وشاركت كل من السيدتين زوجها في السرّاء والضرّاء وساعدته في قضيته بكل حماسة ورافقته بكل إخلاص حتى نهاية حياته الصعبة والمفعمة بالإنجازات العظيمة.

رحل السيد لو شون عن الدنيا في عام 1936 وهو في الخامسة والخمسين من العمر بسبب المرض والتعب الشديدين الناجمين عن العمل الشاق، وكان من المؤّسف أنه لم ير قيام الصين الجديدة جمهورية الصين الشعبية عام 1949 التي كافح من أجل ولادتها.وكان جسده يغطّى بقطعة من الحرير مكتوبة عليها كلمة "روح الأمة" باعتباره بطلا قوميا.وكان الشعب الصيني كله حزينا لرحيله ، وأقام نشاطات مختلفة تأبينا له، وظل يقيم نشاطات مختلفة بمناسبة عيد ميلاده كل سنة إحياء لذكرى هذا الأديب الكبير والمفكر العظيم والثوري المناضل.

أما الدكتور طه حسين فكان محظوظا أكثر من السيد لو شون إذ رحل عن الدنيا في عام 1973 وهو في الرابعة والثمانين من العمر بعد أن شهد بعينيه ولادة جمهورية مصر العربية وترعرعها. وأقامت الحكومة المصرية جائزة طه للأدب باعتبارها أعلى جائزة للأدب في مصر والعالم العربي كله.

وسبق للزعيم الصيني الراحل ماو تسي دونغ أن أشاد بالسيد لو شون قائلا:" إنه كبير قادة الثورة الثقافية الصينية، وليس أديبا كبيرا فحسب، بل هو مفكر عظيم وثوري مناضل أيضا. إنه يتحلى بالكرامة بكل معناها ولا يعرف شيئا عن التذلل والتملق، وهذا يعتبر أسمى درجات أخلاق لدى شعب يعيش في مجتمع شبه مستعمر ومستعمر." ويبدو أن هذه الكلمة تنطبق على الدكتور طه حسين أيضا.

إذاعة الصين الدولية / 22 يناير 2003 /